نقوش الشرقية.. إحياء للتراث العمراني وتعزيز للثقافة

  أحدثت المدنية والتطور العمراني انفصالاً ملحوظاً عن ثقافة المجتمع وتراثه الوطني اللذين يفترض أن يكونا جزءاً من تصاميم البناء والتخطيط. وللأمانة فقد حرصت هيئة السياحة والتراث الوطني على إحياء التراث وترسيخه ونشر ثقافة البناء المرتبط بالهوية الوطنية بحسب المجتمعات الحاضنة. كما كان لبعض الأمانات دور في إحياء التراث الوطني وثقافة البناء التقليدي في بعض الأسواق والميادين، غير أنها تبقى محدودة عوضاً عن افتقارها للرؤية الشمولية الإستراتيجية القادرة على جعل قاعدة التراث الوطني ركيزة من ركائز التصميم العمراني خاصة في مراكز المدن، المواقع التاريخية، مرافق المتنزهات، المساجد وبعض المرافق العامة. بل إن تصميم مباني إمارات المناطق، والمحافظات، والبلديات والمحاكم الشرعية يفترض أن يتواءم مع ثقافة المنطقة وتراثها الأصيل، فيُمزج بين تقنيات البناء الحديث، والتصميم المرتبط بالثقافة المحلية. قد يكون التعامل مع عمليات البناء المستقبلية أسهل من معالجة القائم منها، غير أن الإرادة القوية والرؤية الفاحصة والغيرة على التراث الوطني يمكن أن تُسهم في معالجة ما أحدثته المدنية من تشوهات، كنا نَحسِبُها من الحضارة، إضافة إلى تحسين المنظر العام من خلال الرسومات والنقوش والأشكال الجمالية القادرة على بعث الروح في المباني الجامدة والميادين المنفرة والجسور الخرسانية. مساهمة المجتمع من خلال مؤسساته المدنية في بعث التراث، وتأصيل الثقافة الوطنية، وربط مكونات المدن العمرانية بتاريخها الأصيل، مرحلة متقدمة من مراحل الاهتمام النوعي بتراث المنطقة، وثقافتها الغنية بالموروث الجميل. تشكل مبادرة “نقوش الشرقية” التي تهتم بتأصيل الثقافة، وتوثيق الفنون، والربط بين تاريخ المنطقة وحضارتها تحولاً في التعاطي مع المسؤولية المجتمعية من خلال برامج نوعية تبعث على الأمل والتفاؤل وإشاعة الجمال في مدن المنطقة. التركيز على ميادين المنطقة الشرقية بقصد تحويلها إلى لوحات جمالية مرتبطة بالتراث الوطني أمر غاية في الأهمية، وربما يكون النواة التي تنطلق منها مشروعات التطوير العمراني المرتبط بالهوية الوطنية في جميع محافظات المنطقة، ومناطق المملكة. سمو أمير المنطقة الشرقية، الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أشاد بالمبادرة التي قدمها مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية واحتضنتها الهيئة العليا لتطوير المنطقة الشرقية مع أمانة المنطقة، وأكد “أهمية أن يراعى أن تكون جميع المباني صديقة للبيئة، وتستعمل فيها جميع ما يذكرنا بأصولنا وجذورنا وأن لا نبتعد عنها وأن تكون أيضاً مجالاً لتوفير الطاقة”. تدشين الأمير سعود بن نايف لمبادرة “نقوش الشرقية” يعزز الالتزام بمضمونها والعمل بمحتواها الجميل. احتضان أمانة المنطقة الشرقية للمشروع الحضاري يعني بداية التفعيل لمتطلباته، حيث تخضع تراخيص البناء والتطوير لأنظمة الأمانة ما يمكن أن يجعلها جزءاً من معايير البناء والتشييد والتخطيط العمراني للأحياء والشوارع والجسور. أرجو أن تكون هناك شراكة بين الأمانة وبلدياتها من جهة، والمكاتب الاستشارية من جهة أخرى لضمان التزامها بمعايير الجمال والتراث الوطني في تصميمها للمباني أو المرافق العامة. تطبيق المعايير المتوافقة مع مبادرة “نقوش الشرقية” من المصدر تضمن جودة المخرجات المتوافقة مع ثقافة المجتمع وتراث المنطقة. «نقوش الشرقية» مبادرة تعتمد في مدخلاتها على أصالة تاريخ المملكة، وثقافة المنطقة الشرقية بتنوعها الجميل، وتستمد أفكارها من أبنائها المبدعين، وقطاع الأعمال الداعمين، وأصحاب المبادرات الجميلة البناءة التي تشعل مصابيح الأمل للأجيال المفتونة بجمال التغيير والتطوير والانخراط في برامج المسؤولية المجتمعية. أسأل الله أن يجزي كل من أسهم في هذه المبادرة خير الجزاء وأن يوفق القائمين عليها لتحقيق أهدافها، دعماً للتطوير وربط الحاضر بالماضي ورسم لوحة الجمال في جميع محافظات المنطقة الشرقية.