مسؤولية مجتمع
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…» لطالما أسمع هذا الحديث يتكرر ولكن في كثير من الأحيان يستخدم كعذر لتدخل أحدهم في شؤون الآخر. وعلى كثر ما ورد عن الحديث أجد أن معانيه السامية لم تفهم بالمعنى العميق ولم تطبق بشكل واسع. لذلك سعدت عندما تعرفت على مثال عمل يأخذ الحديث الشريف بمفهومه العميق ويطوع عمله لصالح المجتمع.
في الأسبوع الماضي سعدت بزيارة مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية، حيث أعطت الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي آل سعود رئيسة مجلس الأمناء بمجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية نبذة عن عمل المجلس في فترته الوجيزة منذ نشأته. تعرفت بشكل سريع على بعض ما يقومون به وذهلت من تنوع المبادرات المجتمعية المطروحة. من الجميل أن المجلس يعتزم أن يكون المظلة التي تجمع المبادرات النوعية المختلفة التي تقدم في المنطقة الشرقية ومن ذلك المنطلق وفرت منصة لتلك المبادرات. المبادرات تأتي من المؤسسات والأفراد وتسجل لهم وعندما تكون المبادرات ذات فائدة للوطن تحول على جهات وطنية لتعم الفائدة، وهذا ما حدث بالفعل مع المشروع الوطني للأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي الآمن للمياه الذي تم تحويله على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وغيرها من المبادرات التي حولت على وزارات.
مما أسعدني أن المجلس يوازن حماسه للمسؤولية الاجتماعية مع التأني اللازم للخروج بنتيجة قوية مبنية على الدراسات وخطط تنفيذ محكمة، ومن هذا مثلا دراسة مسحية للاحتياجات الفعلية لمجتمع المنطقة الشرقية والذي يتوقع أن ينتهي العمل منه في يوليو القادم.
خرجت من الاجتماع بأفكار كثيرة وتطلعات أكثر، فجرعة التفاؤل والطموح والحماس التي استشعرتها معدية. من الجميل أن أي فرد لديه مبادرة يمكنه المشاركة بها، وهذا بحد ذاته يفتح مجال المشاركة المجتمعية ويزيد التنوع كون الأفكار قريبة إلى قلوب مقدميها. بعض الأفكار قد تكون حلولا لمشاكل أو تحديات بينما الآخر تحسين لواقع. ما يجمعها كلها هو إحساس بالمسؤولية والتزام أخلاقي بفعل ما هو صحيح لصالح المجتمع.
الإحساس بالواجب يتفاوت من شخص لآخر وتنميته ترجع بالدرجة الأولى إلى التربية، فهي خليط من استشعار مشاعر الآخرين والاعتناء بهم وحب الوطن. يقول عالم النفس الاجتماعي أوري برونفنبرينير (Urie Bronfenbrenner) إنه «لا يمكن لأي مجتمع أن يحافظ على نفسه طالما لم يتعلم أعضاؤه الحساسيات والدوافع والمهارات التي ينطوي عليها مساعدة ورعاية البشر الآخرين» وهنا تكمن أهمية الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين والتي تعتبر مهارة يمكن تنميتها.
المسؤولية الحقيقية تستلزم نوعا من الاستقلال والمبادرة، أي عدم انتظار التوجيهات وجعل الدافع هو الإحساس بالواجب تجاه أمر ما.
وقد تكمن هنا المشكلة كوننا اعتدنا وتمت تربيتنا على أن ننتظر التوجيهات ولا نبادر حتى يؤكد لنا أن كل شيء على ما يرام. لا يمتلك الكثيرون منا وعيا اجتماعيا كافيا يجعلهم يتدخلون لتصحيح خطأ ما على سبيل المثال. ننتظر في الغالب من منطلق الشعور بالاستحقاق بأنه من المفترض أن يقدم لنا كل ما نريد دون أن نعي أن جزءا كبيرا من واقعنا نستطيع أن نشكله، فبدلا من الشكوى لعدم وجود شيء ما يمكننا أن نبادر ونحقق ما نريد، والأجمل من ذلك كله أنه من خلال هذه المبادرة تعزز قيم المجتمع وتزيد روابطه قوة.
ما دام لنا قلب ينبض وعقل يفكر وضمير حي فنحن مسؤولون.