مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية
ما زالت ثقافة المسؤولية الاجتماعية في بداياتها محليًّا، بالرغم من الجهود المبذولة من بعض المؤسسات الرئيسة في القطاعَيْن الخاص والعام. لا يمكن إغفال جهود رجال المال وشركات القطاع الخاص الفاعلين في برامج المسؤولية الاجتماعية، الذين يعتبرونها جزءًا مهمًّا من أنشطتهم الاستثمارية. في المقابل، تحوَّلت المسؤولية الاجتماعية إلى صناعة منظمة في الدول الغربية؛ ما سمح بتطورها وازدهارها، وتقديم برامجها وفق رؤية مؤسسية ضامنة للاستدامة، وتحقيق المنفعة الشمولية للمجتمع.
ومن أهم التحولات الطارئة على الممارسات المجتمعية تحوُّل برامج المسؤولية الاجتماعية في القطاعات الصناعية والتجارية الغربية من جانب التكلفة، إلى جانب الاستثمار الداعم لتنمية رأس المال وتحقيق الربحية، من خلال بناء جسور الثقة والشراكة المستدامة مع المجتمع الذي تعمل من خلاله تلك المؤسسات الربحية. باتت برامج المسؤولية الاجتماعية حقًّا مشروعًا لأفراد المجتمع، لا صدقة يقدمها قطاع الأعمال للمستفيدين. وفي بعض الحالات تكون برامج المسؤولية الاجتماعية جزءًا من اتفاقيات شاملة لممارسة النشاط الصناعي، وبخاصة في الصناعات المؤثرة سلبًا على سلامة البيئة، كصناعة البتروكيماويات والنفط – على سبيل المثال لا الحصر -؛ إذ تعمد المجالس البلدية الغربية لفرض شروطها المشددة على المستثمرين، وتحويل برامج المسؤولية الاجتماعية إلى عقود ملزمة، تتدخل في حجم الوظائف المخصصة للمجتمع، والدعم السنوي، والمشروعات الحيوية التي ستنفذها الشركة كل عام، إضافة إلى تفعيل قوانين حماية البيئة، وإلزامهم بتنفيذها حرفيًّا.
انعكس غياب ثقافة المسؤولية الاجتماعية سلبًا على مخرجاتها؛ فكثير من مكونات قطاع الأعمال لا يعطي أهمية حقيقية لهذا الجانب، في الوقت الذي يفتقده المجتمع لمعرفة أساسياتها؛ ما يجعل أفراده غير فاعلين في المطالبة بحقوقهم المشروعة، وهذا جزء من المشكلة؛ فثقافة المسؤولية الاجتماعية لا تقف عند حد الشركات، بل تتجاوزها إلى المجتمع بأسره، ومتى كانت هذه الثقافة في أعلى مستوياتها في جانبي شركات الإنتاج والمجتمع تتحول برامج خدمة المجتمع إلى استثمار وشراكة حقيقية بين قطاع الإنتاج والبيئة الحاضنة.
التركيز على الجانب المعرفي لـ «المسؤولية الاجتماعية» أمر مهم؛ يستوجب التوقف عنده، والتفكير في مضامينه لتحقيق أهدافه السامية التي أمرنا الله بها قبل حاجاتنا الدنيوية والتنظيمية. المعرفة أساس العمل، وضامنة الحقوق، وجودة المخرجات، وهي لا تكتسب بسهولة، بل يجب العمل على إشاعتها كثقافة عامة للأفراد وقطاع الأعمال والقطاعات الحكومية. قد يكون التركيز على هذا الجانب مفاجئًا في مجتمع ما زال يبحث عن أساسيات العمل الاجتماعي التنموي، وهذا ما شاهدته في «مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية» الذي يتعامل مع صناعة المسؤولية بفكر حديث مختلف عن الأفكار الدارجة المرتبطة بالعطاء المادي، وإن كان جزءًا من مكوناته. يعتقد القائمون على المجلس أن المسؤولية تبدأ من الفرد، وتعود إليه؛ وبالتالي يمكن أن يكون الفرد المطالب بالحقوق مسؤولاً عن إعطائها من حيث لا يدري، وهي فلسفة قد لا تُرضي الكثير، إلا أنها حقيقة وإن حاولوا تجاهلها. وما أكثر ما ورد عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وفي مواضع كثيرة، وقضايا متنوعة، كقوله: «ابدأ بنفسك»؛ فالنفس محور البداية والعمل في كل شيء، ومن باب أولى أن تكون محور «المسؤولية» الشمولية تجاه المجتمع ومكوناته. تؤكد رئيسة مجلس الأمناء، الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي آل سعود، أن الفرد مسؤول عن وطن ومجتمع وأسرة، ومسؤول عن البيئة ومكوناتها؛ ما يستوجب التزامه بمعايير البذل والعطاء والمشاركة والنصح والإرشاد والمساهمة الفاعلة في المجتمع. الإلمام المعرفي المحقق لمخزون الثقافة المسؤولة هو ما نحتاج إليه لتحقيق أهداف «المسؤولية الاجتماعية» وفق تعاليم الشرع، واحتياجات المرحلة المدنية التي نعيشها.
بالرغم من انطلاقته الحديثة، وعمره القصير الذي لم يتجاوز العامين، يقوم مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية بدور فاعل لنشر مفهوم «المسؤولية الاجتماعية» على أسس علمية، وبرامج كفؤة، وأفكار خلاقة. يسعى المجلس ليكون المظلة لجميع الأعمال المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية لضمان التكامل والعدالة في توزيع البرامج، ودعمها في جميع مدن المنطقة الشرقية، ولتكون نبراسًا يقتدى بها مستقبلاً.
شراكات المجلس مع الشركات الكبرى، ومنها أرامكو السعودية، تزيد من ثقة المجتمع بها؛ فلولا الكفاءة والمقدرة لما نجحت في استقطاب أكثر الفاعلين في منظومة المسؤولية الاجتماعية في المملكة، وليس المنطقة الشرقية فحسب.
استوقفتني منصة «البوابة الوطنية للمبادرات»، أو ما أطلق عليه «بنك المبادرات»، وهي «منصة إلكترونية تفاعلية تحفيزية تنافسية، تتيح للأفراد والجهات رصد وتسجيل مبادراتهم في نطاق المسؤولية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية، وتوفر أدوات مساعدة جذابة لتوثيقها ونشرها رقميًّا؛ إذ تقوم الإدارة بدراسة الاقتراح، والتعامل معه علميًّا، وتفعيله داخل المجلس، أو من خلال الجهة المعنية به. تعاني الأفكار الخلاقة من سطوة النافذين، وسرقة المتربصين، إلا أن الأفكار المسجَّلة على بوابة المبادرات تسجَّل باسم أصحابها، وتقدم للجهات المعنية أو جهات البحث باسم أصحابها أيضًا؛ فيتحول المجلس إلى منسق لضمان تفعيلها. مبادرة «المشروع الوطني للأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي الآمن للمياه» إحدى أهم المبادرات التي لم تجد من يتبناها لسنوات؛ فتحولت إلى مشروع وطني من خلال المجلس.
مبادرات جميلة، وأفكار خلاقة، وجهود مباركة، يقوم بها المجلس الذي يضم نخبة من أخواتنا وإخواننا الباذلين أنفسهم لخدمة الوطن والمجتمع على أسس علمية، ووفق مبادرات نوعية، مؤسسية مستدامة، تهتم بنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية والوطنية قبل برامجها.
جهود تستحق أن تذكر فتشكر، وأن نجند أنفسنا للمساهمة في دعمها بكل ما يخدم الوطن بمكوناته البشرية والبيئية والتنموية.